السَّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه اللَّهمَّ إنك تعلمُ أنني ليسَ كما يقولُ ، فلا تؤاخذني بما قالَ ، واجعلني خيراً مما قالَ ، فجزاه الله خيراً شيخنا أرادَ أنْ يُثني فبالغَ ، فعفا الله عنه ، ولنْ أطيلَ في هذه المقدِّمةِ فأقولُ بعد حمدِ الله حمداً كثيراً طيِّباً مباركاً فيه كما يحبُّ ربُّنا ويرضى ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على مَنْ أرسلَه ربُّنا بشيراً ونذيراً وجعلَه سراجاً منيراً ؛ وعلى آلهِ وصحابتهِ ومَنْ تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ . أمَّا بعدُ : إنَّ الله تباركَ وتعالى ذكرَ في كتابهِ العزيزِ أنبياءَه أو بعضَ أنبيائهِ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهم أجمعين ، فقالَ سبحانه وتعالى : " وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85)وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) " سورة الأنعام ثم ذكرَ سبحانه وتعالى ما أتبعَ به مِنْ ذرِّياتهم وإخوانهم حتى قالَ لنبيِّه في ختامِ هذه الآياتِ الكريماتِ : " أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ... (90) " هكذا يقولُ الله لنبيِّنا محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم (أُوْلَئِكَ) - أي الذين ذُكِرُوا في هذه الآياتِ المباركاتِ - أولئك الذين هداهمُ الله فبِهداهمُ اقتدهْ ، يقولُ الله لنبيِّنا محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم اقتدِ بهؤلاء .. اسلكْ طريقَ هؤلاء .. هؤلاء أحبابُ الله .. هؤلاء رُسُلُ الله صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهم أجمعين . فالإنسانُ يحتاجُ إلى القدوةِ وإنْ كانَ نبيُّنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم هو أشرف الرُّسُلِ وخير الرُّسُلِ ؛ والمقدَّم عليهم صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه إلا أنَّ الله تباركَ وتعالى أمرَه أنْ يختارَ قدوةً ، فكيف بنا نحن ؟؟!! لا شكَّ أننا نحتاجُ إلى قدوةٍ ، ولا شكَّ أنَّ قدوتَنا سيِّدنا محمَّد صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم . وقد يقولُ البعضُ إنَّ هذا نبيٌّ كريمٌ معصومٌ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه ، فهل هناك مِنَ البشرِ مَنْ ليسَ بمعصومٍ ولا بنبيٍّ نحن مأمورون بالاقتداءِ به ؟ فنقولُ : نعم .. إنهم أصحابُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم كما قالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " اقتدوا باللَّذينِ مِنْ بعدي أبي بكرٍ و عمرَ " . وقالَ : " عليكم بِسُنَّتي و سُنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدينَ مِنْ بعدي ، عضُّوا عليها بالنَّواجذِ " . فالإنسانُ مطلوبٌ منه أنْ يبحثَ عن القدوةِ ولذلك قيلَ فتشبَّهوا إنْ لم تكونوا مثلَهم *** إنَّ التَّشبُّهَ بالكرام فلاحُ وكانَ الفرزدقُ يفتخرُ على جرير فيقولُ له : أولئكَ آبائي فجئني بمثلِهم *** إذا جمعتْنا يا جريرُ المحافلُ إذا اجتمعتُ أنا وأنتَ يا جريرُ آتيكَ بآبائي فجئني بمثلِهم . وهكذا والله الذي لا إلهَ إلا هو نقولُ مِثْلَ هذا الكلامِ وخيراً مِنْ هذا الكلامِ في أصحابِ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم . قرأ شيخُنا حفظَه الله تباركَ وتعالى آياتٍ بيِّناتٍ في صلاةِ المغربِ الآن في ذِكْرِ أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وقد أكثرَ الله تباركَ وتعالى مِنْ ذِكْرِهِمْ ومِنَ الثَّناءِ عليهم ، وقبلَ أنْ نخوضَ في هذه الآياتِ ونقول ما ذَكَرَ أهلُ العِلْمِ مِنْ خيرٍ عن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ فلا بدَّ أنْ نقدِّمَ بمقدِّمةٍ وهي : مَنْ هم أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؟؟؟ الصَّحابيُّ يقولُ أهلُ العِلْمِ في تعريفهِ :هو مَنْ لَقِيَ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مؤمناً به وماتَ على ذلك . فَمَنْ لقيَ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتشرَّف برؤيتهِ والجلوسِ معه أو الحديثِ إليه أو الاجتماعِ به فهذا يقالُ له صحابيّ ؛ بشرطِ أنْ يكونَ مؤمناً ، فيخرجُ أبو جهلٍ ، وأبو لهبٍ ، وأميَّةُ بنُ خلفٍ ، وأبيّ بنُ خلفٍ ، وعقبةُ بنُ أبي مُعَيْط ، وحمالةُ الحطبِ ، وغير هؤلاء ممنْ رأوا النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولكنَّهم لم يؤمنوا به . مَنْ لقيَ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مؤمناً به ، فَمَنْ لم يلقَ النَّبيَّ .. لم يتشرَّف بهذه اللُّقيا فلا يقالُ له صحابيّ و لو أسلمَ في عهدِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، لكنْ لم يتشرَّف بِلُقياه .. فلا يعدُّ صحابيّاً . أبو إدريس الخولانيّ رضيَ الله عنه وأرضاه قدمَ المدينةَ يومَ الأربعاء ، فقالوا : البارحةَ دفنَّا رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم . فلم يتشرَّف بِلُقيا النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وهو تابعيٌّ جليلٌ مخضرمٌ آمنَ في عهدِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لكنْ لم يتشرَّف بِلُقيا النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. فاته ذلك الفضلُ .. فاته ذلك الخيرُ ، ومجرَّد لُقيا النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم شرفٌ . ولذلك قيلَ لعبدِ الله بنِ المبارك أيُّهما أفضلُ : معاوية بن أبي سفيان أو عمر بن عبد العزيز ؟ خاصَّة وأنَّ الكثيرين يقولون عن عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ إنه خامسُ الخلفاءِ الرَّاشدين . فقيلَ لعبدِ الله بنِ المبارك : مَنْ هو أفضلُ عمر أو معاوية ؟ فقالَ : والله لحبَّاتُ رملٍ دخلتْ في منخرِ معاويةَ وهو يصلِّي خلفَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم خيرٌ مِنْ عمرَ بنِ عبدِ العزيز . يريدُ أنْ يبيِّن أنَّ شرفَ الصُّحبةِ لا يُدانيهِ ولا يقارنُه شرفٌ . وذكر لآخر فقالَ : سبحانَ الله ، هذا صحابيٌّ وهذا تابعيٌّ ، كيف يُقارَنُ بينهما!!. ! مَنْ لقيَ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مؤمناً به ، وماتَ على ذلك ( مؤمناً به ) خرجَ الكفَّار و خرجَ المنافقون ، و ( ماتَ على ذلك ) فخرجَ المرتدُّون ، فكلُّ هؤلاء لا يُعدُّون مِنْ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . وأصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتفاوتون في الفَضْلِ ، الله جلَّ وعلا يقولُ عن المرسلين : " تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ... (253) " سورة البقرة ، فكذلك أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فضَّل الله بعضَهم على بعضٍ . كما قالَ سبحانه وتعالى : " لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا .... (10) " سورة الحديد ، أعظم درجةً . وقالَ الله تباركَ وتعالى : " لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ... (95) " سورة النِّساء ، فالله تباركَ وتعالى بيَّن أنَّ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وإنْ كانوا جميعاً فضلاء إلا إنهم يتفاوتون في الفَضْلِ . وبعضُ أهلِ العِلْمِ قالَ : صاحبُ النَّبيِّ مَنْ لازمَه ، ولكنَّه استقرَّ القولُ عند أكثرِ أهلِ العِلْمِ أنه ولو لقيَه مرَّةً فإنه يُعَدُّ مِنْ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولكنْ لا ينالُ فَضْلَ مَنْ لازمَ النَّبيَّ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه . على كلِّ حالٍ أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهم فضلٌ ولهم حقٌّ ، وهذا هو موضوعُ حديثِنا معكم في هذه اللَّيلةِ التي أسألُ الله تباركَ وتعالى أنْ يجعلَها مباركةً . *- أمَّا فضلُ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقد وردت ْنصوصٌ كثيرةٌ في كتابِ الله تباركَ وتعالى وفي سنَّةِ نبيِّه محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم تدلُّ على فضلِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فَمِنْ ذلك : *- قول ربِّنا جلَّ وعلا : " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ .... (29) " سورة الفتح ، انظروا كيف أنَّ الله تباركَ وتعالى زكَّى باطنَهم وظاهرَهم ، " أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ " والرَّحمةُ محلُّها القلب ، " تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا " عملٌ ظاهرٌ . المنافقون كانوا رُكَّعاً سُجَّداً .. كانوا يقومون إلى الصَّلاةِ .. كما قالَ الله تباركَ وتعالى : " وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى ...." ، يصلُّون .. ولكنَّ الفرقَ عظيمٌ بين هؤلاء وهؤلاء ، لما ذكرَ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : " تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا " يتكلَّم عن قلوبهم .. بينما لما ذكرَ المنافقين قالَ : " ... وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)" سورة النِّساء ، ففرَّق الله تباركَ و تعالى بين هؤلاء وأولئك .. فرَّق بين أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فمدحَهم في ظاهرِهم ومدحَهم في باطنِهم ، بينما ذمَّ أولئك المنافقين الذين كانوا يُظهرون الدِّينَ والإسلامَ ولكنَّهم يُبطنون الكُفْرَ والنِّفاقَ . المنافقون إذا جاؤوا النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم : "....قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُون (14) " سورة البقرة . ويقولُ الله تباركَ وتعالى : " إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ... " كذبَّهم الله تباركَ وتعالى فقالَ : " وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) " سورة المنافقون ، كذبَّهمُ الله في دَعْوَاهم لأنهم لا يؤمنون ، وإنْ نطقوا بها بألسنتِهم إلا إنهم لا يؤمنون ، قلوبُهم كافرةٌ لا تؤمنُ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم . بينما لما ذكرَ المؤمنين سبحانه وتعالى مدحَهم في إيمانِهم و صِدْقِهم في قولِهم . ولنْ يسعَ الوقتُ لأنْ أذكرَ - لا أقولُ كلَّ الآياتِ والأحاديث ولكنْ أقولُ - لا يسعُ لِذِكْرِ كثيرٍ مِنَ الآياتِ والأحاديثِ ، وسأقتصرُ على بعضِها . *- يقولُ لله تباركَ وتعالى : " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ ... " عندما يتكلَّم ربُّنا سبحانه وتعالى عن الفيء . مَنْ هم أصحابُ الفيء ؟؟ " مَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ....(7) " سورة الحشر ، لمنْ ؟؟ قالَ : " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ... (8) " ، سورة الحشر ثم ماذا ؟؟ ثم ختمَها بقولهِ : " أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" ، صادقون في إيمانهم .. صادقون في دعاواهم .. صادقون في اتِّباعهم .. صدَّقهمُ الله تباركَ وتعالى .. هم أهلُ الفيءِ " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ... " لأجلِ ماذا ؟؟ في سبيل الله .. هذا عملٌ ظاهرٌ .. " أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ " ، ثم زكَّى باطنَهم فقالَ : " يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا " نيَّاتهم ، يتكلَّم ربُّنا عن نيَّاتهم ، قالَ : " يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " ، ثم قالَ : " أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ". *-ثم ذكرَ الأنصارَ فقالَ : " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ...." ، حبٌّ صادقٌ مِنْ شِغافِ قلوبِهم " يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) " ، سورة الحشر ،هكذا يُثني الله تباركَ وتعالى على أصحابِ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم . *- ومِنْ أظهرِ الآياتِ التي تدلُّ على فضلِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قولُ ربِّنا تباركَ وتعالى : " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ....(100) " سورة التَّوبة " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ " مَنْ هؤلاء ؟؟؟ أصحابُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم . ثم قالَ : " وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ " قيَّدها " بِإِحْسَانٍ " ، ما قالَ : " وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ " وأطلقَها .. أبداً !! كما أطلقَ القولَ فيهم ، لم يقلْ ربُّنا تباركَ وتعالى : " والسَّابقون الأوَّلون مِنَ المهاجرين والأنصار الذين أحسنوا منهم " أبداً لماذا ؟ لأنَّ كلَّهم محسنٌ ..كلّهم محسنون بلا استثناء ، أمَّا التَّابعون فمنهمُ المحسنُ ومنهم المسيء ، ولذلك قيَّد قالَ : " وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ " ليسَ كلُّ مَنِ اتَّبعَ وإنما مَنِ اتَّبعَ بإحسانٍ ، أسالُ الله أنْ يجعلَنا وإيَّاكم منهم . " وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ " ماذا لهم ؟ قالَ : " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ " ، هكذا يخبرُ الله تباركَ وتعالى عن النَّتيجةِ والجائزةِ والهبةِ التي مَنَّ الله بها عليهم سبحانه وتعالى . *- وقالها في موقعٍ آخر سبحانه وتعالى ، قالهما كما يقولُ جابر : لأربعة عشر مئة أو لخمس عشرة مئة .. أربع عشرة مئة أو خمس عشرة مئة ، يعني ألف وخمسمئة أو ألف وأربعمئة ، وهم الذين بايعوا النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بيعةَ الرِّضوانِ ، لما بايعوا النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم على الموتِ ، أو على عدمِ الفرارِ كما اختلفَ أهلُ العِلْمِ في ذلك على ماذا بايعوه ، لكنَّهم بايعوه بيعةَ الرِّضوان ، فأنزلَ الله تباركَ وتعالى : " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ .... (18) " سورة الفتح . الله أكبر .. تصوَّر لو كنتَ أنتَ معهم ويقرأ عليك النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هذه الآيات ، وكنتَ قد بايعتَ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ثم تتنزَّلُ هذه الآياتُ الكريماتُ " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ..." كم تكونُ وفرحتكَ ؟؟ كم تسعدُ بهذه الآيةِ ؟؟ كم تشتاقُ إلى لقاءِ الله سبحانه وتعالى ؟؟ هكذا بشَّرهمُ الله بالدُّنيا قبلَ الآخرةِ " " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ " أي حالةَ بيعتِهم لك " تَحْتَ الشَّجَرَةِ" تلك البيعة المباركة .. بيعة الرِّضوان . لماذا رضيتَ عنهم يا ربّ ؟ قالَ : " فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ " أي عَلِمَ ما في قلوبهم مِنَ التَّقوى .. عَلِمَ ما في قلوبهم مِنَ الإيمانِ .. عَلِمَ ما في قلوبهم مِنَ الدِّينِ .. عَلِمَ ما في قلوبهم مِنَ الخَشْيةِ .. عَلِمَ ما في قلوبهم مِنَ المحبَّة .. عَلِمَ ما في قلوبهم مِنَ الاتِّباع .. عَلِمَ ما في قلوبهم مِنَ الخير .. " فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ " فجاءتِ النَّتيجةُ : " فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا". هكذا يخبرُ ربُّنا عن هذهِ الثُّلَّةِ المباركةِ ، يقولُ : " فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْفَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا" يُثني الله تباركَ وتعالى على أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثناءً عجيباً ، ويذكرُهم بكلِّ خيرٍ ، ألف وأربعمئة أو ألف وخمسمئة . حتى قالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " لنْ يدخلَ النَّارَ أحدٌ بايعَ تحتَ الشَّجرةِ " .. أبداً . *- ولذلك يقولُ الله تباركَ وتعالى عن المؤمنين :" لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ..... (10) " سورة الحديد ما هي الحسنى ؟؟ إنها الجنَّةُ " وَكُلًّا" الذين أنفقوا مِنْ قبل والذين أنفقوا مِنْ بعد ، " وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى " . *- ويقولُ في آيةٍ أخرى : " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ...(102) " سورة الأنبياء، أي النَّار .. لأنه سبقتْ لهم مِنَ الله الحسنى رضوان الله تباركَ وتعالى عليهم أجمعين . * أمَّا ما وردَ مِنَ الأحاديثِ في فضلِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فحدِّث ولا حَرَجَ ، ويكفيك مِنْ هذا *- قولُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " النُّجومُ أمَنةٌ للسَّماءِ ، فإذا ذهبتِ النُّجومُ أتى السَّماءَ ما توعدُ ، وأنا أمَنةٌ لأصحابي ، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمَنةٌ لأمَّتي " ( أمَنةُ الأمَّة ) ، قالَ : " وأصحابي أمَنةٌ لأمَّتي ، فإذا ذهبَ أصحابي أتى أمَّتي ما توعدُ " ، وهذا الحديثُ أخرجَه الإمامُ مسلم في صحيحهِ . *-ويقولُ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه : " خيرُ النَّاسِ ... " ( عمَّ النَّاسَ كلَّهم ولم يستثنِ أحداً ) " خيرُ النَّاسِ قرني ، ثم الذين يَلُونهم، ثم الذين يَلُونهم ". مَنْ قَرْنه ؟؟ أصحابُه رضوانُ الله عليهم ، هؤلاء هم قَرْنُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم " خيرُ النَّاسِ " بلا استثناء ؛ مَنْ كانَ في زمنهِ ومَنْ يأتي بعدَه إلى أنْ تقومَ السَّاعةُ ، ولذلك أجمعَ أهلُ السنَّةِ على أنَّ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم هم خيرُ البشريَّةِ بعد الأنبياءِ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهم أجمعين ، " خيرُ النَّاسِ قَرْني ، ثم الذين يَلُونهم، ثم الذين يَلُونهم " . *-بلْ قالَ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه : " يُدعى نوحٌ يومَ القيامةِ ، فيقالُ له : هل بلَّغتَ ؟ ( والله أعلمُ سبحانه وتعالى ، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى يريدُ أنْ يُظهرَ الحجَّةَ على النَّاسِ ) فيقولُ : نعم ، فيُدعى قومُه فيقالُ لهم : هل بلَّغكم ؟ فيقولون : ما أتانا مِنْ نذيرٍ وما أتانا مِنْ أحدٍ ، ( سبحان الله ! مكثَ في قومهِ ألفَ سنةٍ إلا خمسين عاماً يدعوهم ويجحدون ؛ يقولون ما جاءَنا مِنْ نذيرٍ !!! ) فيقالُ لنوحٍ : مَنْ يشهدُ لكَ ؟ تدرون ماذا يقولُ نوحٌ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ؟؟؟ فيقولُ : محمَّد وأمَّته " . تركَ إبراهيمَ وأمَّته ، وموسى وأمَّته ، وعيسى وأمَّته ، و زكريَّا وأمَّته ، وداودَ وسليمانَ وجميعَ الأنبياءِ ، لذلك يقالُ لنوحٍ ماذا ؟ آدم الأصغر أو آدم الثَّاني ، كلُّ الأنبياءِ الذين جاؤوا بعدَ نوحٍ مِنْ ذرِّيته صلَّى الله عليه وسلَّم ، تركَ هؤلاء جميعاً وذهبَ إلى محمَّدٍ وأمَّته ، ولم يقلْ أمَّته همُ الذين أسلموا معه ، الذين نجَوا معه في السَّفينةِ ، لم يذكرهم ، تعدَّى الجميعَ وذهبَ إلى محمَّدٍ وأمَّته ، فقالَ : " محمَّد وأمَّته " . يقولُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " فتقومون فتشهدون " تشهدون لنوحٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه بلَّغ ، مصدِّقون الله تباركَ وتعالى بما أخبرَ في كتابهِ العزيزِ ، قالَ : " فتقومون فتشهدون " أي لنوح عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ، ثم قرأ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ .... (143)" سورة البقرة . ثم قالَ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه : " الوسطُ العدلُ " ، يعني أنتم أمَّةٌ عُدُولٌ ، ولذلك قَبِلَ الله تباركَ وتعالى شهادتكم لنوحٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ . *- وجاءَ في الحديثِ - وهذا في البخاريّ – و جاء في الحديث عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قالَ : " لا تسبُّوا أصحابي ، فلو أنَّ أحدَكم أنفقَ مِثْلَ أحُدٍ ذهباً ما بلغَ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفَه " الله أكبر .. أحُد .. سلسلة جبال أحُد .. جبال لو أنفقَها الإنسانُ مِنَ الذَّهبِ لا تعدلُ مُدّاً ؛ بل لا تعدلُ نصفَ مُدٍّ قدَّمه أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أتدرون ما المدّ ؟؟ المدّ ما يملأ الكفَّينِ ، ولا نصيفه ما يملأ الكفَّ الواحدةَ فقط ، يقولُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : لو أنفقَ أحدُكم مِثْلَ أحُدٍ ذهباً ما بلغَ مُدّاً قدَّمه أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، لأنَّ العِبرةَ بالكيفِ لا بالكَمِّ ، ولذلك قيلَ : درهمٌ سبقَ مئةَ ألف درهم ، العِبرةُ بالكيفِ لا بالكَمِّ . ونرجعُ إلى قولِ الله تباركَ وتعالى : " لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ... "الكيف .. هذا قبل الفتح وذاك بعد الفتح .. هذا عند الحاجةِ وذاك عند الرَّخاء .. الأمرُ يختلفُ . *-ويقولُ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه - وهذا الحديثُ أخرجَه التِّرمذيُّ وغيرُه - : " مَنْ سَبَّ أصحابي فعليهِ لعنةُ الله والملائكةِ والنَّاسِ أجمعينَ " تُرى لماذا يقولُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِثْلَ هذا الكلام ؟؟ لأنَّ مَنْ يسبُّ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مكذِّبٌ لله تباركَ وتعالى في خبرهِ .. مكذِّبٌ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في ثنائهِ عليهم . فيجبُ علينا أنْ نعرفَ قَدْرَ هؤلاء القوم ، أعني أصحابَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . وهذا هو المبحثُ الثَّاني في هذه الجلسةِ التي أسالُ الله تباركَ وتعالى أنْ يجعلَها مباركةً طيِّبةً ، وأنْ يجعلَها ذخراً لنا جميعاً يومَ أنْ نلقاهُ ، ألا وهو ما حقُّهم علينا ؟ ما حقُّ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم علينا ؟؟ عرفنا فضلَهم ومكانتَهم ، وقبلَ أنْ نعرفَ حقَّهم علينا لا بدَّ أنْ نعرفَ فضلَهم علينا ، وأنتَ لنْ تعرفَ حقَّ أحدٍ ولا قَدْرَهُ حتى تعرفَ فَضْلَهُ و مَنَّهُ . ولذلك الله تباركَ وتعالى لما أمرَنا أنْ نعبدَه قالَ : " مَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ... (53) " سورة النَّحل ، " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ...(34) " سورة إبراهيم ، ويمنُّ علينا بخلقتِنا و رِزْقِنا وتدبيرِ أمورِنا ؛ وكلّ فضلٍ مَنَّ به علينا سبحانه وتعالى ، فما الخيرُ الذي قدَّمه لنا أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . هذا القرآنُ الكريمُ ما نقلَه إلا أصحابُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ... هذه السنَّةُ الشَّريفةُ ما نقلَها إلا أصحابُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم .. هذه الشَّريعةُ الغرَّاءُ ما أوصلَها لنا إلا أصحابُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ... أين التَّوراةُ ؟؟ أين الإنجيلُ ؟؟ حُرِّفَتِ التَّوراةُ .. حُرِّفَ الإنجيلُ .. لماذا ؟؟!! لم يجدْ موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أصحاباً ينقلون ذلك ، ولا وجدَ عيسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أصحاباً ينقلون ذلك ، حُرِّفَتِ التَّوراةُ وحُرِّفَ الإنجيلُ ، وحرصَ أصحابُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم على نقلِ القرآنِ والسنَّةِ لنا ، و نقلِ شرعِ الله تباركَ وتعالى لنا ، هم نقلَةُ القرآنِ .. هم نقلَةُ السنَّة .. أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . كتابُ الله تباركَ وتعالى الموجود بين أظهرِنا اليوم نقلَه أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم و رَعَوْهُ ، و نقِلَ إلينا بالتَّواتر .. سنَّةُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نقلَها أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتى وصلتْ إلينا نعبدُ الله على بصيرةٍ وعلى بيِّنةٍ مِنْ أمرِنا بما نقلَه أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . والله الذي لا إلهَ إلا هو لولا أنهم نقلوا ذلك لنا ما عرفنا الإسلامَ ولا دَرَيْنَا به ، وإنما ذلك فضلُ الله تباركَ وتعالى جعلَهم وسائلَ لنقلِ الخيرِ إلينا . *- حقُّهم علينا رضيَ الله عنهم وأرضاهم : *- أوَّلاً :محبَّتهم .. أنْ نحبَّهم .. أنْ نحبَّهم في الله سبحانه وتعالى ، استجابةً لأمرِ الله تباركَ وتعالى ، لأنَّ الله أمرَنا بهذا سبحانه وتعالى ، يقولُ الله تباركَ وتعالى : " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا.... " ، ثم ذكرَ بعدهمُ الأنصارَ فقالَ : " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ... " ، ثم ذكرَكم بعد ذلك ، فقالَ سبحانه وتعالى : "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ .... " الذين جاؤوا مِنْ بعدِ المهاجرين والأنصار مِنَ التَّابعين أو أتباع التَّابعين أو مَنْ تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وأنتم منهم ، يقولُ الله تباركَ وتعالى : "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ " وما هو عكس الغِلّ ؟؟؟ الحبّ فإنْ لم يجعلِ الله غِلًّا في قلوبنا لهم فإنَّ الله سيجعلُ في قلوبنا حبّاً ، وأمرَنا أنْ يكونَ حبّ لهم عظيم في قلوبنا " وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفُُ رَّحِيم " فتجبُ علينا محبَّتهم . *-وقالَ صلَّى الله عليه وسلَّم عن الأنصار : " لا يحبُّهم إلا مؤمنٌ ولا يبغضُهم إلا منافقٌ " . * -ويقولُ : " الله الله في أصحابي ، لا تتَّخذوهم غَرَضاً بعدي " فواجبٌ علينا أنْ نحبَّ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . * - كذلك أنْ نعرفَ قدرَهم ومنزلتَهم لأنهم نقلَةُ الكتابِ والسنَّةِ ، ولا نسمحُ لأحدٍ أبداً أيّاً كانَ أنْ يطعنَ في أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . أتدرون لماذا ؟؟؟ لأننا إذا قبلنا الطَّعنَ في أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فعلينا أنْ نقولَ : لا قرآن ولا سنَّة ، هذه هي النِّهاية .. نهاية محزنة .. كفرٌ بالله تباركَ وتعالى . يقولُ أبو زُرْعَةَ الرَّازيّ رحمه الله تباركَ وتعالى : " إذارأيتَ الرَّجلَ يَنْتَقِصُ أحداً مِنْ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلَّم ؛ فاعْلَمْ أنَّه زِنْدِيقٌ ، وذلك أنَّ الرَّسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم عندنا حقٌّ ، والقرآنَ حقٌّ ، وإنَّما أدَّى إلينا هذا القرآنَ والسُّنَنَ أصحابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وإنَّما يريدون أنْ يُجَرِّحُوا شهودَنا لِيُبْطِلُوا الكتابَ والسُّنَّةَ ، والجَرحُ بهم أَوْلَى ، وهم زَنادِقَة "المسألةُ خطيرةٌ .. المسألةُ خطيرةٌ جدّاً .. الذين يطعنون في أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يريدون الصَّحابةَ وإنما يريدون ما نقلَه الصَّحابةُ ، لأننا إذا قبلنا أنَّ أبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وطلحةَ والزُّبيرَ وعائشةَ وابنَ عمرَ وغيرهم مِنْ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، إذا قبلنا أنَّ هؤلاء غيرُ ثقاتٍ بل غير مسلمين - والعياذ بالله - إذاً كيف نقبلُ قرآناً أتى به غيرُ المسلمين ؟؟؟!! كيف نقبلُ أحاديثَ أتى بها غيرُ المسلمين ؟؟؟!! مِنْ شرطِ قبولِ الرِّوايةِ أنْ يكونَ الرَّاوي عدلاً ، ولا يمكنُ أنْ يكونَ الكافرُ عدلاً !!! يُشترطُ في روايةِ الحديثِ .. في روايةِ القرآنِ أنْ يكونَ الرُّواةُ مسلمين ، لا بدَّ أنْ يكونَ الرُّواةُ مسلمين ، وإلا لا يُقبلُ نقلُهم ، فإذا قبلنا الطَّعنَ في أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كأننا نقولُ على القرآنِ السَّلام وعلى السنَّةِ السَّلام !! لا بدَّ أنْ نعرفَ قدرَهم حيثُ إنهم تشرَّفوا بنقلِ القرآنِ والسُّنن لنا رضيَ الله عنهم وأرضاهم فأنْ نعرفَ قدرَهم ، وأنْ نشكرَ لهم فِعْلَهم رضيَ الله عنهم وأرضاهم . *- كذلك الاقتاء بهم في فَهْمِهم و عملِهم *-ولذلك قالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " عليكم بِسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الرَّاشدين مِنْ بعدي " . *- وقالَ : " اقتدوا باللَّذينِ مِنْ بعدي أبي بكر و عمر " . فنتَّخذُ أصحابَ النَّبيِّ قدوةً نقتدي بهم . *- ولذلك كانَ الشَّافعيُّ رحمه الله تباركَ وتعالى يقولُ عن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " فَهْمُهُمْ أحبُّ إلينا مِنْ فَهْمِنَا " . فَهْمُ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أحبُّ إلينا مِنْ فَهْمِنَا ، لماذا ؟؟؟ لأنهم عاشوا التَّنزيلَ .. وقتَ نزولِ القرآنِ .. وقتَ كلامِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولذلك اتَّفقتْ كلمةُ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ على أنَّ القرآنَ والسنَّةَ إنما يُفهمانِ عن طريقِ سَلَفِ هذه الأمَّةِ ، ولذلك يقولون : نتَّبع الكتابَ والسنَّةَ على فَهْمِ سَلَفِ هذه الأمَّةِ وعلى رأسِهم أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . الاقتداءُ بهم .. بفهمِهم وقولِهم وفِعْلهم رضيَ الله عنهم وأرضاهم *-كذلك الثَّناء عليهم في مجالسِنا ، أنْ نذكرَهم بخيرٍ ، وأنْ نذكرَ محاسنَهم على الأقلّ عند أولادِنا .. أولادُنا اليومَ يعرفون اللَّاعبين ويعرفون الممثِّلين ، أنا أعلمُ يقيناً أنه قد يكونُ سبب هذا الصُّحُف والمجلَّات والإذاعة والتِّلفاز التي تلمِّع هذه الشَّخصيَّات وتغفلُ عن القدواتِ الحقيقيَّةِ ، لكن هذا ليسَ عذراً لنا في أنْ نقيمَ في بيوتنا مجالسَ للذِّكرِ ، نذكرُ فيها محاسنَ هؤلاء ، وأنْ نذكِّر أبناءَنا وبناتنا بهم ، ونذكرَ فضلَهم ، ونذكرَ محاسنَهم ، فيحبُّونهم ويقتدون بهم ويسيرون على نهجِهم . *-كذلك الكفّ عمَّا شَجَرَ بينهم أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بشرٌ ، ليسوا بمعصومين ، منهم مَنْ يُصيبُ ومنهم مَنْ يخطئُ ، وإنْ كانتْ أخطاؤهم لا شيءَ بالنِّسبةِ لحسناتهم ، بل كما قالَ بعضُهم : إنها كحبَّاتِ رملٍ في جبالٍ أو نقطٍ في محيطٍ ، فالكفُّ عمَّا شَجَرَ بينهم ، ونقولُ كمَا قالَ عمرُ بنُ عبدِ العزيز لما سُئِلَ عمَّا شَجَرَ بين أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقالَ :تلك فتنةٌ عَصَمَ الله منها سيوفَنا فلنعصمْ منها ألسنتَنا " . والله تعالى أمرَنا بهذا فقالَ : " تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141) " سورة البقرة ، فَمَنْ كانَ ذاكراً أصحابَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فليذكرهم بخيرٍ ويكفّ عمَّا شَجَرَ بينهم رضيَ الله عنهم وأرضاهم ، فهم بشرٌ كسائرِ البشرِ ، ولكنَّهم خيرُ البشرِ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهم أجمعين ، وهذا لا بأسَ به أنْ نقولَ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهم أجمعين ، فالنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ : " اللَّهمَّ صلِّ على آلِ أبي أوفى " . فالقصدُ أنَّ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم نكفّ عمَّا شَجَرَ بينهم رضيَ الله عنهم وأرضاهم . *- كذلك مِنْ حقِّهم علينا أنْ ندافعَ عنهم عندَ كلِّ مَنْ يطعنُ فيهم ، فللأسفِ يسمعُ البعضُ منَّا رجلاً أوِ امراةً أو غير ذلك ، يسمعُ أحدَهم يطعنُ في معاويةَ أو عمرو بن العاص أو أبي سفيان أو عمر بن الخطَّاب أو عثمان بن عفَّان أو غيرهم مِنْ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا يحرِّك ساكناً !! ولو تُكُلِّمَ في أبيهِ أو جدِّه أو أخيهِ أو صديقهِ لثارتْ ثائرته !! وهذا مِنَ الضَّلالِ . إنه يجبُ علينا أنْ نعرفَ لهؤلاء قدرَهم ، وألَّا نقبلَ أنْ يتكلَّم أحدٌ فيهم أبداً رضيَ الله عنهم وأرضاهم . وأنْ ندافعَ عنهم في المجالسِ التي نحضرُها ، إنِ استطعنا الدِّفاعَ دافعنا وإلا خرجنا ، أمَّا أنْ نسكتَ وكأننا لم نسمعْ شيئاً فهذا لا يجوزُ . " وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ... (140) " سورة النِّساء ، فلا يجوزُ للإنسانِ أبداً أنْ يسمعَ الطَّعنَ في أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثم لا يحرِّك ساكناً وكأنَّ شيئاً لم يكنْ ؛ وكأنه غيرُ مقصودٍ بالكلام !! بل يجبُ أنْ تثورَ ثائرتُنا وأنْ نغارَ عليهم كما نغارُ على آبائنا وأمَّهاتنا .. بل أكثر . *- أبو أيُّوب الأنصاريّ رضيَ الله عنه وأرضاه لما تكلَّم النَّاسُ في عِرْضِ عائشةَ رضيَ الله عنها ، جاءته امرأته فقالتْ له : يا أبا أيُّوب ، أمَا تسمعُ ما يقولُ النَّاسُ في عائشةَ ؟؟ فقالَ لها أبو أيُّوب : يا أمَّ أيُّوب ، أوَ تفعلينه أنتِ ؟؟ تفعلين الفاحشةَ ؟؟ أوَ تفعلينه أنتِ ؟؟ قالتْ : لا . قالَ : والله لعائشةُ خيرٌ منكِ . يقولُها لزوجتهِ وهي صحابيَّةٌ جليلةٌ !! لماذا ؟؟؟ لحبِّه لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، وهذه زوجُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، هكذا يقولُ لزوجتهِ ، فما بالُنا نحن عندما نسمعُ الطَّعنَ في عائشةَ أو في غيرِها مِنْ أمَّهاتِ المؤمنين أو في أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لا نحرِّك ساكناً ولا نتأثَّر ؟؟!! ما هذا إلا لضعفِ إيمانِنا .. فيجبُ علينا أنْ نغارَ على أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم . *- كذلك الدُّعاء لهم في ظهرِ الغيبِ ، لهم علينا فضلٌ ، ولذلك الله تباركَ وتعالى قالَ : " والَّذِينَ جَاءو مِن بَعدِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفُُ رَّحِيم (10) " سورة الحشر . ندعو لهم بظهرِ الغيبِ . لماذا ؟؟؟ لأنَّ لهم - كما قلتُ - فضلاً علينا رضيَ الله عنهم وأرضاهم . وأختمُ بأبياتٍ قالها القحطانيُّ رحمه الله تباركَ وتعالى يقولُ : أكرمْ بطلحةَ والزُّبيرَ سَعْدِهم *** وسَعِيْدِهم و بعبادِ الرَّحمنِ وأبي عبيدةَ ذي الدِّيانةِ والتُّقى *** وامدحْ جماعةَ بيعةِ الرِّضوانِ قلْ خيرَ قولٍ في صحابةِ أحمد *** وامدحْ جميعَ الآلِ والنِّسوانِ دعْ ما جرى بين الصَّحابةِ في الوغى *** بسيوفِهم يومَ التقى الجمعانِ فقتيلُهم منهم وقاتلُهم لهم *** وكلامهما في الحشرِ مرحومانِ والله يومَ الحشرِ ينزعُ كلَّ ما *** تحوي صدورُهم مِنَ الأضغانِ حبُّ الصَّحابةِ والقرابةِ سنَّةٌ *** ألقى بها ربِّي إذا أحياني هكذا ينبغي علينا أنْ تكونَ مكانةُ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قلوبِنا رضيَ الله عنهم وحشرَنا وإيَّاكم معهم ، والله أعلى وأعلم ، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمَّد لتحميل المادة اضغط هنا تم تفريغ المادة بواسطة الأخوات فاعلة خير ونازك وعبق شبكة المنهج تحميل المادة