61 ] قوله إن من الشجر شجرة زاد في رواية مجاهد عند المصنف في باب الفهم في العلم قال صحبت بن عمر إلى المدينة فقال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فآتى بجمار وقال أن من الشجر وله عنه في البيوع كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل جمارا قوله لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم كذا في رواي أبي ذر بكسر ميم مثل واسكان المثلثة وفي رواية الأصيلي وكريمة بفتحهما وهما بمعنى قال الجوهري مثله ومثله كلمة تسوية كما يقال شبهه وشبهه بمعنى قال والمثل بالتحريك أيضا ما يضرب من الأمثال انتهى ووجه الشبه بين النخلة والمسلم من جهة عدم سقوط الورق ما رواه الحارث بن أبي أسامة في هذا الحديث من وجه آخر عن بن عمر ولفظه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال إن مثل المؤمن كمثل شجرة لاتسقط لها انملة أتدرون ما هي قالوا لا قال هي النخلة لاتسقط لها انملة ولا تسقط لمؤمن دعوة ووقع عند المصنف في الأطعمة من طريق الأعمش قال حدثني مجاهد عن بن عمر قال بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بحمار فقال إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم وهذا أعم من الذي قبله وبركة النخلة موجودة في جميع اجزائها مستمرة في جميع احوالها فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل انواعا ثم بعد ذلك ينتفع بجميع اجزائها حتى النوى في علف الدواب والليف في الحبال وغير ذلك مما لا يخفى وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته ووقع عند المصنف في التفسير من طريق نافع عن بن عمر قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا كذا ذكر النفي ثلاث مرات على طريق الاكتفاء فقيل في تفسيره ولا ينقطع ثمرها ولا يعدم فيؤها ولا يبطل نفعها ووقع في رواية مسلم ذكر النفي مرة واحدة فظن إبراهيم بن سفيان الراوي عنه أنه متعلق بما بعده وهو قوله تؤتى أكلها فاستشكله وقال لعل لا زائدة ولعله وتؤتى أكلها وليس كما ظن بل معمول النفي محذوف على سبيل الاكتفاء كما بيناه وقوله تؤتى ابتداء كلام على سبيل التفسير لما تقدم ووقع عند الإسماعيلي بتقديم تؤتى أكلها كل حين عل قوله لا يتحات ورقها فسلم من الاشكال قوله فوقع الناس أي ذهبت افكارهم في اشجار البادية فجعل كل منهم يفسرها بنوع من الأنواع وذهلوا عن النخلة يقال وقع الطائر على الشجرة إذا نزل عليها قوله قال عبد الله هو بن عمر الراوي قوله ووقع في نفسي بين أبو عوانة في صحيحه من طريق مجاهد عن بن عمر وجه ذلك قال فظننت أنها النخلة من أجل الجمار الذي أتى به وفيه إشارة إلى أن الملغز له ينبغي أن يتفطن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال وأن الملغز ينبغي له أن لا يبالغ في التعمية بحيث لا يجعل للملغز بابا يدخل منه بل كلما قربه كان أوقع في نفس سامعه قوله فاستحييت زاد في رواية مجاهد في باب الفهم في العلم فأردت أن أقول هي النخلة فإذا انا أصغر القوم وله في الأطعمة فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم وفي رواية نافع ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم فلما قمنا قلت لعمر يا أبتاه وفي رواية مالك عن عبد الله بن دينار عند المؤلف في باب الحياء في العلم قال عبد الله فحدثت أبي بما وقع في نفسي فقال لأن تكون قلتها أحب إلى من أن يكون لي كذا وكذا زاد بن حبان في صحيحه أحسبه قال حمر النعم وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم امتحان العالم اذهان الطلبة بما يخفى مع بيانه لهم إن لم يفهموه وأما ما رواه أبو داود من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الاغلوطات قال الأوزاعي أحد رواته هي صعاب المسائل فإن ذلك محمول على ما لا نفع فيه أو ما خرج على سبيل تعنت المسئول أو تعجيزه وفيه التحريض على الفهم في العلم وقد بوب عليه المؤلف باب الفهم في العلم وفيه استحباب الحياء ما لم يؤد إلى تفويت مصلحة ولهذا تمنى عمر أن يكون ابنه لم يسكت وقد بوب عليها المؤلف في العلم وفي الله الأدب وفيه دليل على بركة النخله وما تثمره وقد بوب عليه المصنف أيضا وفيه دليل على أن بيع الجمار جائز لأن كل ما جاز أكله جاز بيعه ولهذا بوب عليه المؤلف في البيوع وتعقبه بن بطال لكونه من المجمع عليه وأجيب بان ذلك لا يمنع من التنبيه عليه لأنه أورده عقب حديث النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فكأنه يقول لعل متخيلا يتخيل أن هذا من ذاك وليس كذلك وفيه دليل على جواز تجمير النخل وقد بوب عليه في الأطعمة لئلا يظن أن ذلك من باب إضاعة المال وأورده في تفسير قوله تعالى ضرب الله مثلا كلمة طيبة إشارة منه إلى أن المراد بالشجرة النخلة وقد ورد صريحا فيما رواه البزار من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن بن عمر قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذه الآية فقال أتدرون ما هي قال بن عمر لم يخف على أنها النخلة فمنعني أن أتكلم مكان سني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النخلة ويجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أتى بالجمار فشرع في أكله تاليا للآية قائلا أن من الشجر شجرة إلى آخره ووقع عند بن حبان من رواية عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يخبرني عن شجرة مثلها مثل المؤمن أصلها ثابت وفرعها في السماء فذكر الحديث وهو يؤيد رواية البزار قال القرطبي فوقع التشبيه بينهما من جهة أن أصل دين المسلم ثابت وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح مستطاب وأنه لا يزال مستورا بدينه وأنه ينتفع بكل ما يصدر عنه حيا وميتا انتهى وقال غيره والمراد بكون فرع المؤمن في السماء رفع عمله وقبوله وروى البزار أيضا من طريق سفيان بن حسين عن أبي بشر عن مجاهد عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن مثل النخلة ما أتاك منها نفعك هكذا أورده مختصرا وإسناده صحيح وقد أفصح بالمقصود بأوجز عبارة وأما من زعم أن موقع التشبيه بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها ماتت أو لأنها لا تحمل حتى تلقح أو لأنها تموت إذا غرقت أو لأن لطلعها رائحة من الأدمي أو لأنها تعشق أو لأنها تشرب من أعلاها فكلها أوجه ضعيفة لأن جميع ذلك من المشابهات مشترك في الآدميين لا يختص بالمسلم وأضعف من ذلك قول من زعم أن ذلك لكونها خلقت من فضله طين آدم فإن الحديث في ذلك لم يثبت والله أعلم وفيه ضرب الأمثال والاشياء لزيادة الإفهام وتصوير المعاني لترسخ في الذهن ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة وفيه إشارة إلى أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره من جميع وجوهه فإن المؤمن لا يماثله شيء من الجمادات ولا يعادله وفيه توقير الكبير وتقديم الصغير إياه في القول وأه لا يبادره بما فهمه وأن ظن أنه الصواب وفيه أن العالم الكبير قد يخفى عليه بعض ما يدركه من هو دونه لأن العلم مواهب والله يؤتى فضله من يشاء واستدل به مالك على أن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء على أعمال الخير لا يقدح فيها وإذا كان أصلها لله وذلك مستفاد من تمنى عمر المذكور ووجه تمنى عمر رضي الله عنه ماطبع الإنسان عليه من محبة الخير لنفسه ولولده ولتظهر فضيل الولد في الفهم من صغره وليزداد من النبي صلى الله عليه وسلم حظوة ولعله كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم وفيه الإشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بحمر النعم مع عظم مقدارها وغلاء ثمنها فائدة قال البزار في مسنده ولم يرو هذا الحديث عن الني صلى الله عليه وسلم بهذا السياق الا بن عمر وحده ولما ذكره الترمذي قال وفي الباب عن أبي هريرة وأشار بذلك إلى حديث مختصر لأبي هريرة أورده عبد بن حميد في تفسيره لفظة مثل المؤمن مثل النخلة وعند الترمذي أيضا والنسائي وابن حبان من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة قال هي النخلة تفرد برفعه حماد بن سلمة وقد تقدم أن في رواية مجاهد عن بن عمر أنه كان عاشر عشرة فاستفدنا من مجموع ما ذكرناه أن منهم أبا بكر وعمر وابن عمر وأبا هريرة وأنس بن مالك إن كانا سمعا ما روياه من هذا الحديث في ذلك المجلس والله تعالى أعلم
قوله باب طرح الإمام المسألة أورد فيه حديث بن عمر المذكور بلفظ قريب من لفظ الذي قبله وإنما أورده بإسناد آخر ايثارا لابتداء فائدة تدفع اعتراض من يدعي عليه التكرار بلا فائدة وأما دعوى الكرماني أنه لمراعاة صنيع مشايخه في تراجم مصنفاتهم وأن رواية قتيبة هنا كانت في بيان معنى التحديث والاخبار ورواية خالد كانت في بيان طرح الإمام المسألة فذكر الحديث في كل موضع عن شيخه الذي روى له الحديث لذلك الأمر فإنها غير مقبولة ولم تجد عن أحد ممن عرف حال البخاري وسعة علمه وجودة تصرفه حكى أنه كان يقلد في التراجم ولو كان كذلك لم يكن له مزية على غيره وقد توارد النقل عن كثير من الأئمة أن من جملة ما امتاز به كتاب البخاري دقة نظره في تصرفه في تراجم أبوابه والذي ادعاه الكرماني يقتضى أنه لا مزية له في ذلك لأنه مقلد فيه لمشايخه ووراء ذلك أن كلا من قتيبة وخالد بن مخلد لم يذكر لأحد منهما ممن صنف في بيان حالهما أن له تصنيفا على الأبواب فضلا عن التدقيق في التراجم وقد أعاد الكرماني هذا الكلام في شرحه مرارا ولم أجد له سلفا في ذلك والله المستعان وراويه عن عبد الله بن دينار سليمان هو بن بلال المدني الفقيه المشهور ولم أجده من روايته الا عند البخاري ولم يقع لاحد ممن أستخرج عليه حتى أن أبا نعيم إنما أورده في المستخرج من طريق الفربري عن البخاري نفسه وقد وجدته من رواية خالد بن مخلد الراوي عن سليمان المذكور أخرجه أبو عوانة في صحيحه لكنه قال عن مالك بدل سليمان بن بلال فإن كان محفوظا فلخالد فيه شيخان وقد وقع التصريح بسماع عبد الله بن دينار له من عبد الله بن عمر عند مسلم وغيره
قوله باب القراءة والعرض على المحدث إنما غاير بينهما بالعطف لما بينهما من العموم والخصوص لأن الطالب إذا قرأ كان أعم من العرض وغيره ولا يقع العرض الا بالقراءة لأن العرض عبارة عما يعارض به الطالب أصل شيخه معه أو مع غيره بحضرته فهو أخص من القراءة وتوسع فيه بعضهم فأطلقه على ما إذا أحضر الأصل لشيخه فنظر فيه وعرف صحته وأذن له أن يرويه عنه من غير أن يحدثه به أو يقرأه الطالب عليه والحق أن هذا يسمى عرض المناولة بالتقييد لا الإطلاق وقد كان بعض السلف لا يعتدون الا بما سمعوه من ألفاظ المشايخ دون ما يقرأ عليهم ولهذا بوب البخاري على جوازه وأورد فيه قول الحسن وهو البصري فلا بأس بالقراءة على العالم ثم اسنده إليه بعد أن علقه وكذا ذكر عن سفيان الثوري ومالك موصولا أنهما سويا بين السماع من العالم والقراءة عليه وقوله جائزا وقع في رواية أبي ذر جائزة أي القراءة لأن السماع لانزاع فيه قوله واحتج بعضهم المحتج بذلك هو الحميدي شيخ البخاري قاله في كتاب النوادر له كذا قال بعض من أدركته وتبعته في المقدمة ثم ظهر لي خلافه وأن قائل ذلك أبو سعيد الحداد أخرجه البيهقي في المعرفة من طريق بن خزيمة قال سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول قال أبو سعيد الحداد عندي خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة على العالم فقيل له فقال قصة ضمام بن ثعلبة قال آلله أمرك بهذا قال نعم انتهى وليس في المتن الذي ساقه البخاري بعد من حديث أنس في قصة ضمام أن ضماما أخبر قومه بذلك وإنما وقع ذلك من طريق أخرى ذكرها أحمد وغيره من طريق بن إسحاق قال حدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب عن بن عباس قال بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة فذكر الحديث بطوله وفي آخره أن ضماما قال لقومه عندما رجع إليهم إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه قال فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة الا مسلما فمعنى قول البخاري فأجازوه أي قبلوه منه ولم يقصد الاجازه المصطلحة بين أهل الحديث قوله واحتج مالك بالصك قال الجوهري الصك يعني بالفتح الكتاب فارسي معرب والجمع صكاك وصكوك والمراد هنا المكتوب الذي يكتب فيه إقرار المقر لأنه إذا قرئ عليه فقال نعم ساغت الشهادة عليه به وإن لم يتلفظ هو بما فيه فكذلك إذا قرئ على العالم فاقر به صح أن يروي عنه وأما قياس مالك قراءة الحديث على قراءة القرآن فرواه الخطيب في الكفاية من طريق بن وهب قال سمعت مالكا وسئل عن الكتب التي تعرض عليه أيقول الرجل حدثني قال نعم كذلك القرآن أليس الرجل يقرأ على الرجل فيقول أقرأني فلان وروى الحكم في علوم الحديث من طريق مطرف قال صحبت مالكا سبع عشرة سنة فما رأيته قرأ الموطأ على أحد بل يقرأون عليه قال وسمعته يأبى أشد الآباء على من يقول لا يجزيه الا السماع من لفظ الشيخ ويقول كيف لا يجزيك هذا في الحديث ويجزيك في القرآن والقرآن أعظم قلت وقد انقرض الخلاف في كون القراءة على الشيخ لاتجزى وإنما كان يقوله بعض المتشددين من أهل العراق فروى الخطيب عن إبراهيم بن سعد قال لا تدعون تنطعكم يا أهل العراق العرض مثل السماع وبالغ بعض المدنيين وغيرهم في مخالفتهم فقالوا إن القراءة على الشيخ أرفع من السماع من لفظه ونقله الدارقطني في غرائب مالك عنه ونقله الخطيب بأسانيد صحيحة عن شعبة وابن أبي ذئب ويحيى القطان واعتلوا بأن الشيخ لو سها لم يتهيأ للطالب الرد عليه وعن أبي عبيد قال القراءة على أثبت وأفهم لي من أن أتولى القراءة أنا والمعروف عن مالك كما نقله المصنف عنه وعن سفيان وهو الثوري أنهما سواء والمشهور الذي عليه الجمهور أن السماع من لفظ الشيخ أرفع رتبة من القراءة عليه ما لم يعرض عارض يصير القراءة عليه أولى ومن ثم كان السماع من لفظه في الإملاء أرفع الدرجات لما يلزم منه من تحرز الشيخ والطالب والله أعلم قوله عن الحسن قال لا بأس بالقراءة على العالم هذا الأثر رواه الخطيب أتم سياقا مما هنا فأخرج من طريق أحمد بن حنبل عن محمد بن الحسن الواسطي عن عوف الأعرابي أن رجلا سأل الحسن فقال يا أبا سعيد منزلي بعيد والاختلاف يشق على فإن لم تكن ترى بالقراءة بأسا قرأت عليك قال ما أبالي قرأت عليك أو قرأت علي قال فأقول حدثني الحسن قال نعم قل حدثني الحسن ورواه أبو الفضل السليماني في كتاب الحث على طلب الحديث من طريق سهل بن المتوكل قال حدثنا محمد بن سلام بلفظ قلنا للحسن هذه الكتب التي تقرأ عليك إيش نقول فيها قال قولوا حدثنا الحسن
[ 63 ] قوله الليث عن سعيد في رواية الإسماعيلي من طريق يونس بن محمد عن الليث حدثني سعيد وكذا لابن منده من طريق بن وهب عن الليث وفي هذا دليل على أن رواية النسائي من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن الليث قال حدثني محمد بن عجلان وغيره عن سعيد موهومة معدودة من المزيد في متصل الأسانيد أو يحمل على أن الليث سمعه عن سعيد بواسطة ثم لقيه فحدثه به وفيه اختلاف آخر أخرجه النسائي والبغوى من طريق الحارث بن عمير عبن عبيد الله بن عمر وذكره بن منده من طريق الضحاك بن عثمان كلاهما عن سعيد عن أبي هريرة ولم يقدح هذا الاختلاف فيه عند البخاري لأن الليث أثبتهم في سعيد المقبري مع احتمال أن يكون لسعيد فيه شيخان لكن تترجح رواية الليث بأن المقبري عن أبي هريرة جادة مألوفة فلا يعدل عنها إلى غيرها الا من كان ضابطا متثبتا ومن ثم قال بن أبي حاتم عن أبيه رواية الضحاك وهم وقال الدارقطني في العلل رواه عبيد الله بن عمر وأخوه عبد الله والضحاك بن عثمان عن المقبري عن أبي هريرة ووهموا فيه والقول قول الليث أما مسلم فلم يخرجه من هذا الوجه بل أخرجه من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وقد أشار إليها المصنف عقب هذه الطريق وما فر منه مسلم وقع في نظيره فإن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت وقد روى هذا الحديث عن ثابت فأرسله ورجح الدارقطني رواية حماد قوله بن أبي نمر هو بفتح النون وكسر الميم لا يعرف اسمه ذكره بن سعد في الصحابة وأخرج له بن السكن حديثا وأغفله بن الأثير تبعا لاصوله قوله في المسجد أي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ورسول الله صلى الله عليه وسلم متكئ فيه جواز اتكاء الإمام بين اتباعه وفيه ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه من ترك التكبر لقوله بين ظهرانيهم وهي بفتح النون أي بينهم وزيد لفظ الظهر ليدل على أن ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فهو محفوف بهم من جانبيه والالف والنون فيه للتأكيد قاله صاحب الفائق ووقع في رواية موسى بن إسماعيل الاتي ذكرها آخر هذا الحديث في أوله عن أنس قال نهينا في القرآن أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل وكأن أنسا أشار إلى آية المائدة وسيأتي بسط القول فيها في التفسير إن شاء الله تعالى قوله دخل زاد الأصيلي قبلها إذ قوله ثم عقله بتخفيف القاف أي شد على ساق الجمل بعد أن ثنى ركبته حبلا قوله في المسجد استنبط منه بن بطال وغيره طهارة أبوال الإبل وأرواثها إذ لا يؤمن ذلك منه مدة كونه في المسجد ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ودلالته غير واضحة وإنما فيه مجرد احتمال ويدفعه رواية أبي نعيم أقبل على بعير له حتى أتى المسجد فأناخه ثم عقله فدخل المسجد فهذا السياق يدل على أنه ما دخل به المسجد وأصرح منه رواية بن عباس عند أحمد والحاكم ولفظها فأناخ بعيره على باب المسجد فعقله ثم دخل فعلى هذا في رواية أنس مجاز الحذف والتقدير فأناخه في ساحة المسجد أو نحو ذلك قوله الأبيض أي المشرب بحمرة كما في رواية الحارث بن عمير الامغر أي بالغين المعجمة قال حمزة بن الحارث هو الأبيض المشرب بحمرة ويؤيده ما يأتي في صفته صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن أبيض ولا آدم أي لم يكن أبيض صرفا قوله اجبتك أي أسمعتك والمراد إن شاء الإجابة أو نزل تقريره للصحابة في الاعلام عنه منزلة النطق وهذا لائق بمراد المصنف وقد قيل إنما لم يقل له نعم لأنه لم يخاطبه بما يليق بمنزلته من التعظيم لا سيما مع قوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا والعذر عنه إن قلنا إنه قدم مسلما أنه لم يبلغه النهى وكانت فيه بقية من جفاء الأعراب وقد ظهرت بعد ذلك في قوله فمشدد عليك في المسألة وفي قوله في رواية ثابت وزعم رسولك إنك تزعم ولهذا وقع في أول رواية ثابت عن أنس كنا نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع زاد أبو عوانة في صحيحه وكانوا أجرا على ذلك منا يعني أن الصحابة واقفون عند النهي واولئك يعذرون بالجهل وتمنوه عاقلا ليكون عارفا بما يسأل عنه وظهر عقل ضمام في تقديمه الاعتذار بين يدي مسألته لظنه أنه لا يصل إلى مقصوده الا بتلك المخاطبة وفي رواية ثابت من الزيادة أنه سأله من رفع السماء وبسط الأرض وغير ذلك من المصنوعات ثم أقسم عليه به أن يصدقه عما يسأل عنه وكرر القسم في كل مسألة تأكيدا وتقريرا للأمر ثم صرح بالتصديق فكل ذلك دليل على حسن تصرفه وتمكن عقله ولهذا قال عمر في رواية أبي هريرة ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا اوجز من ضمام قوله بن عبد المطلب بفتح النون على النداء وفي رواية الكشميهني يا بن بإثبات حرف النداء قوله فلا تجد أي لا تغضب ومادة وجد متحدة الماضي والمضارع مختلفة المصادر وبحسب اختلاف المعاني يقال في الغضب موجدة وفي المطلوب وجودا وفي الضالة وجدانا وفي الحب وجدا بالفتح وفي المال وجدا بالضم وفي الغني جدة بكسر الجيم وتخفيف الدال المفتوحة على الأشهر في جميع ذلك وقالوا أيضا في المكتوب وجادة وهي مولدة قوله أنشدك بفتح الهمزة وضم المعجمة وأصله من النشيد وهو رفع الصوت والمعنى سألتك رافعا نشيدتي قاله البغوي في شرح السنة وقال الجوهري نشدتك بالله أي سألتك بالله كأنك ذكرته فنشد أي تذكر قوله الله بالمد في المواضع كلها قوله اللهم نعم الجواب حصل بنعم وإنما ذكر اللهم تبركا بها وكأنه استشهد بالله في ذلك تأكيدا لصدقه ووقع في رواية موسى فقال صدقت قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق الأرض والجبال قال الله قال فمن جعل فيها المنافع قال الله قال فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب الجبال وجعل فيها المنافع آلله أرسلك قال نعم وكذا هو في رواية مسلم قوله أن تصلي بتاء المخاطب فيه وفيما بعده ووقع عند الأصيلي بالنون فيها قال القاضي عياض هو أوجه ويؤيده رواية ثابت بلفظ إن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا وساق البقية كذلك وتوجيه الأول أن كل ما وجب عليه وجب على أمته حتى يقوم دليل الاختصاص ووقع في رواية الكشميهني والسرخسي الصلاة الخمس بالافراد على إرادة الجنس قوله أن تأخذ هذه الصدقة قال بن التين فيه دليل على أن المرء لا يفرق صدقته بنفسه قلت وفيه نظر وقوله على فقرائنا خرج مخرج الأغلب لأنهم معظم أهل الصدقة قوله آمنت بما جئت به يحتمل أن يكون اخبارا وهو اختيار البخاري ورجحه القاضي عياض وأنه حضر بعد إسلامه مستثبتا من الرسول صلى الله عليه وسلم ما أخبره به رسوله إليهم لأنه قال في حديث ثابت عن أنس عند مسلم وغيره فإن رسولك زعم وقال في رواية كريب عن بن عباس عند الطبراني اتتنا كتبك وأتتنا رسلك واستنبط منه الحاكم أصل طلب علو الإسناد لأنه سمع ذلك من الرسول وآمن وصدق ولكنه أراد أن يسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة ويحتمل أن يكون قوله آمنت إنشاء ورجحه القرطبي لقوله زعم قال والزعم القول الذي لا يوثق به قاله بن السكيت وغيره قلت وفيه نظر لأن الزعم يطلق على القول المحقق أيضا كما نقله أبو عمر الزاهد في شرح فصيح شيخه ثعلب وأكثر سيبويه من قوله زعم الخليل في مقام الاحتجاج وقد أشرنا إلى ذلك في حديث أبي سفيان في بدء الوحي وأما تبويب أبي داود عليه باب المشرك يدخل المسجد فليس مصيرا منه إلى أن ضماما قدم مشركا بل وجهه أنهم تركوا شخصا قادما يدخل المسجد من غير استفصال ومما يؤيد أن قوله آمنت أخبار أنه لم يسأل عن دليل التوحيد بل عن عموم الرسالة وعن شرائع الإسلام ولو كان إنشاء لكان طلب معجزة توجب له التصديق قاله الكرماني وعكسه القرطبي فاستدل به على صحة إيمان المقلد للرسول ولو لم تظهر له معجزة وكذا أشار إليه بن الصلاح والله أعلم تنبيه لم يذكر الحد في رواية شريك هذه وقد ذكره مسلم وغيره فقال موسى في روايته وأن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال صدق وأخرجه مسلم أيضا وهو في حديث أبي هريرة وابن عباس أيضا وأغرب بن التين فقال إنما لم يذكره لأنه لم يكن فرض وكأن الحامل له على ذلك ما جزم به الواقدي ومحمد بن حبيب أن قدوم ضمام كان سنة خمس فيكون قبل فرض الحج لكنه غلط من أوجه أحدها أن في رواية مسلم أن قدومه كان بعد نزول النهي في القرآن عن سؤال الرسول وآية النهي في المائدة ونزولها متأخر جدا ثانيها أن إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية ومعظمه بعد فتح مكة ثالثها أن في القصة أن قومه أوفدوه وإنما كان معظم الوفود بعد فتح مكة رابعها في حديث بن عباس أن قومه اطاعوه ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم ولم يدخل بنو سعد وهو بن بكر بن هوازن في الإسلام الا بعد وقعة حنين وكانت في شوال سنة ثمان كما سيأتي مشروحا في مكانه إن شاء الله تعالى فالصواب أن قدوم ضمام كان في سنة تسع وبه جزم بن إسحاق وأبو عبيدة وغيرهما وغفل البدر الزركشني فقال إنما لم يذكر الحج لأنه كان معلوما عندهم في شريعة إبراهيم انتهى وكأنه لم يراجع صحيح مسلم فضلا عن غيره قوله وأنا رسول من ورائي من موصولة ورسول مضاف إليها ويجوز تنوينه وكسر من لكن لم تأت به الرواية ووقع في رواية كريب عن بن عباس عند الطبراني جاء رجل من بني سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مسترضعا فيهم فقال أنا وافد قومي ورسولهم وعند أحمد والحاكم بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم علينا فذكر الحديث فقول بن عباس فقدم علينا يدل على تأخير وفادته أيضا لأن بن عباس إنما قدم المدينة بعد الفتح وزاد مسلم في آخر الحديث قال والذي بعثك بالحق لا ازيد عليهم ولا انقص فقال النبي صلى الله عليه وسلم لئن صدق ليدخلن الجنة وكذا هي في رواية موسى بن إسماعيل ووقعت هذه الزيادة في حديث بن عباس وهي الحاملة لمن سمي المبهم في حديث طلحة ضمام بن ثعلبة كابن عبد البر وغيره وقد قدمنا هناك أن القرطبي مال إلى أنه غيره ووقع في رواية عبيد الله بن عمر عن المقبري عن أبي هريرة التي أشرت إليها قبل من الزيادة في هذه القصة أن ضماما قال بعد قوله وأنا ضمام بن ثعلبة فأما هذه الهناة فوالله أن كنا لنتنزه عنها في الجاهلية يعني الفواحش فلما أن ولي قال النبي صلى الله عليه وسلم فقه الرجل قال وكان عمر بن الخطاب يقول ما رأيت أحسن مسألة ولا اوجز من ضمام ووقع في آخر حديث بن عباس عند أبي داود فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم العمل بخبر الواحد ولا يقدح فيه مجيء ضمام مستثبتا لأنه قصد اللقاء والمشافهة كما تقدم عن الحاكم وقد رجع ضمام إلى قومه وحده فصدقوه وآمنوا كما وقع في حديث بن عباس وفيه نسبة إلى الشخص إلى جده إذا كان أشهر من أبيه ومنه قوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين أنا بن عبد المطلب وفيه الاستحلاف على الأمر المحقق لزيادة التأكيد وفيه رواية الأقران لأن سعيدا وشريكا تابعيان من درجة واحدة وهما مدنيان قوله رواه موسى هو بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي شيخ البخاري وحديثه موصول عند أبي عوانة في صحيحه وعند بن منده في الإيمان وإنما علقه البخاري لأنه لم يحتج بشيخه سليمان بن المغيرة وقد خولف في وصله فرواه حماد بن سلمة عن ثابت مرسلا ورجحها الدارقطني وزعم بعضهم أنها علة تمنع من تصحيح الحديث وليس كذلك بل هي دالة على أن لحديث شريك أصلا قوله وعلي بن عبد الحميد هو المعني بفتح الميم وكذا أخرجه الدارمي عن علي بن عبد الحميد وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق قوله بهذا أي هذا المعنى وإلا فاللفظ كما بينا مختلف وسقطت هذه اللفظة من رواية أبي الوقت وابن عساكر والله سبحانه وتعالى أعلم تنبيه وقع في النسخة البغدادية التي صححها العلامة أبو محمد بن الصغائي اللغوي بعد أن سمعها من أصحاب أبي الوقت وقابلها على عدة نسخ وجعل لها علامات عقب قوله رواه موسى وعلي بن عبد الحميد عن سليمان بن المغيرة عن ثابت ما نصه حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت عن أنس وساق الحديث تمامه وقال الصغائي في الهامش هذا الحديث ساقط من النسخ كلها الا في النسخة التي قرئت على الفربري صاحب البخاري وعليها خطه قلت وكذا سقطت في جميع النسخ التي وقفت عليها والله تعالى أعلم بالصواب